الحب الأول – قصة قصيرة

بقلم : أمير النجار

مرت أعوام كثيرة منذ آخر مرة رأيتها عندما وقفت أمامي تُخيرني بين أن أتقدم لخطبتها أو أرحل عن عالمها ، كنت حينها مازلت مُتخرج حديثا من الجامعة ولَم أكن قد حددت أهدافي بعد ولَم يكن معي من المال ما يساعدني على ذلك فرجوتها أن تنتظر عام أو أثنين ولكنها أصرت بشدة على موقفها وأرادت مني ردا في الحال فسيطر على اعتقاد أنها تضعني بين شقي الرحى وتضغط علي بشدة وأنها لو كانت تحبّني كما أحبها ما كانت لتفعل ذلك بي فرفضت طلبها فأمتلأت بالدمع عيونها فحن قلبي لها و هممت على التراجع ولكن العند الذكوري قيدني وثبتني جامداً جاحداً لكل اللحظات السعيدة التي عشتها معها على مر عامين مضوا وأنني أنا الضحية والحق معي ووقفت أنظر إليها وهي ترحل بعيداً عني محاولة أن تُكفّف دموعها .

بعد عدة أيام عرفت أنه قد تم خطبتها لطبيب مشهور وما ألمني حقا ليس موافقتها عليه ولكن ما أخبرتني به أقرب صديقاتها من الضغط الذي تعرضت له من أهلها على مر شهور سابقة للقائنا الأخير للأرتباط بهذا العريس الذي لا تشوبه شائبة و أنها كانت ترفض إبلاغي خشية أن أعتقد أنها تفكر في غيري و أنها تضغط علي كي أتركها لذا حاولت مراراً مقابلتها ليس فقط لكي أُعيدها لي ولكن على الأقل ابلاغها أسفي وندمي على ضياعها مني وفِي ظل زمن لم تكن أجهزة المحمول او النت متوافرة حالت الظروف دون ذلك
مرت الشهور وتم زواجها فضاقت بي الدنيا وقررت الرحيل فأنتهزت أول فرصة لاحت لي وسافرت إلى إحدى الدول العربية و انهمكت في العمل و محاولة نسيانها وسارت حياتي مثلي مثل غيري وتناسيت كل شيء الا بعض ذكريات كنت استعيدها كي تهّون علي لحظاتي الصعبة التي عانيت منها في غُربتي حتى جاء الْيَوْمَ الذي رأيتها فيه ثانية بعد مرور كل هذه الأعوام ،
كنت في صالة إنتظار المطار انظر الى مدخلها أتابع الوافدين من المسافرين اليها و أُخمن جنسية كلاً منهم كعادة أكتسبتها لتسلية وقتي حتى يحين ميعاد طائرتي بعد قضائي أجازتي السنوية و عندما رأيتها تعبر البوابة الأمنية للصالة حاملة حقيبتها وتتجه نحو أحد المقاعد ، لا أستطيع وصف ما حدث لي فقد توقفت الحياة و أختفى الناس من حولي بكل جنسياتهم و ساد الصمت ، لم أُعد أسمع شيء سوى ضربات قلبي المتلاحقة حاولت إقناع نفسي بأني أتخيلُها ولكنها هي بشحمها ولحمها لم تتغير ملامحها الجميلة الرقيقة و أناقتها التي تهتم فيها بأدق التفاصيل أردت النهوض من مقعدي والعدو نحوها وضمها إلى حُضني والأعتذار منها على غبائي الذي أضاعها مني ولكن هاجس ما ألزمني مكاني فقد خشيت أن يلحق بها زوجها ويرانا معا فتصير مشكلة لها
أنتظرت عدة دقائق و عيني تنتقل بحركات جنونية ما بينها وبين مدخل صالة الأنتظار وزاد توتر أعصابي وكادت أنقباضات قلبي تقتُلني بينما جلست هي تتصفح هاتفها الجوال في هدوء لا تدري بي ولا بما يحدث لي وعلا صوت المذياع الداخلي معلنا عن قيام إحدى الرحلات والتنبية على المسافرين بالتوجه لمدرج الطائرة فلملمت أشيائها ونهضت فزاد خفقان قلبي فقفزت من مقعدي واقفا وقررت المجازفة والتوجه اليها مهما كانت العواقب وتحركت من مكاني الذي كان يبعد عنها بعض الشيء مسرعا نحوها عندما أستوقفني صوت يناديني قائلا ” بابا … بابا ” فنظرت خلفي فأذا بأبنتي التي سميتها بأسمها تبكي وتريدني فرجعت إليها فطلبت مني أن أحملها وبمجرد أن فعلت حتى أسندت رأسها على كتفي وأغمضت عيناها فنظرت الى حبيبتي فوجدتها قد غادرت فوقفت انظر من زجاج الصالة المطل على مدرج الطائرات حاملاً أبنتي والطائرة تُقلع وتبعد عني مرة أخرى .

 

اللوحة بريشة الفنان محمد عبد العظيم
اترك تعليق