الانفجار الأخير قصة قصيرة بقلم أمير النجار

بقلم : أمير النجار

ربما كان حقيقة أو كابوساً لا أدري ولكني مازلت مستشعراً مرارة ما حدث لي ، في لحظة واحدة انقلبت الدنيا رأساً على عقب وتغيرت حياتي للأبد .

وبدأت الأحداث عندما كنت سائراً في احد أكثر الشوارع بمدينتي ازدحاماً علا فجأة وبدون سابق إنذار صوت طلقات نارية بشكل كثيف أعقبها صوت انفجار شديد هز المنطقة بأكملها مما أدى الى سقوطي أرضاً منكفأً على وجهي ما بين الوعي و اللاوعي لا أعلم كم من الوقت مضى ولكني كنت أشعر بنعال بعضها يضربني وبعضها يدوس علي و في بعض الأحيان أجساد ممتلئة تسقط فوقي ثم تنهض وهي تغرس أصابعها في جسدي فتؤلمني بشدة ، كنت في حالة تمنعني من الاعتراض او حتى التأوه وعندما استطعت استجماع بعض إدراكي استدرت بجسدي وكنت ما زلت أرضاً هالني ما رأيت فقد ملئت الدعنيا من حولي بالغبار والأدخنة وبالكاد كنت أرى أشكال آدمية غير واضحة المعالم تهرول محاولة تجنب الارتطام بي بعد ما رفعت نصفي العلوي قليلاً مستنداً على ذراعي فأصبحت في مستوى رؤيتهم
شيئاً فشيئاً أصبحت أكثر وعياً وعادت لي حاسة السمع الذي أدركتها عندما تنامي الى أذني صوت الصراخ والعويل الذي ازداد وضوحاً بمرور الوقت فنظرت من حولي فوجدتني محاطاً بأجساد أكثرها غير كاملة فجميعها ممزقة بشكل بشع، بحر الدماء المحاطة بها جعلها أكثر بشاعة فنظرت الى جسدي وعندما تأكدت من سلامته تحاملت على نفسي على الرغم من الآلام التي شعرت بها وبالكاد أستطعت الوقوف ، كنت مترنحاً والغبار طغى على كل شيئ أصبحت الدنيا بلا معالم لم أعد أعلم إتجاهي فمشيت بخطى بطيئة سمحت بها قواي الضعيفة
على بعد عدة أمتار وجدت جدار بجوار أحد المحال والذي تهشم زجاج فتريناته بالكامل واحترق ما بداخلها من بضاعة وتحولت الى قطع سوداء متفحمة كان بعضها مازالت النيران مشتعلة فيه فجلست اليه وأسندت ظهري عليه ورفعت رأسي الى أعلى و حاولت التقاط أنفاسي وإذا بصوت الطلقات النارية يعود من جديد ومن موقعي سمعت وشاهدت انفجاراً أخر أهتز معه المكان مرة أخرى وأشد من ذي قبل وتعالى الصراخ و تملك مني الرعب وسرت رعشة شديدة في جميع جسدي وسيطر علي أحساس النهاية وأن هذه أخر لحظاتي في الدنيا فأنهمرت دموعي غزيرة ولأول مرة في حياتي انتحب .

“الخوف من الموت ” جملة سمعتها كثيراً ولكني شعرت بها ورأيتها في تلك العيون المذعورة التي تظهر من الوجوه التي اختفت ملامحها أسفل طبقة الغبار المخضبة بالدماء و التي يجري أصحابها بدون هدف و وكنت مازلت في موقعي مستسلم تماماً في انتظار الانفجار الأخير ولكن حدث شيء أثار انتباهي وحرك حواسي كلها ، للوهلة سمعت بكاء مكتوم لطفل صغير فالتفت برأسي يميناً ويساراً ولكني لم أَشاهد أطفالاً وفجأة اصبح الصوت صوتين و حاولت إيقاف احدهم كي يستعلم عن مكان الأصوات ولكن لم يعيرني احد اهتمام فتحاملت على نفسي ونهضت من مكاني و أخذت أتتبع الأصوات حتى استطعت تحديد مكانها كانت سيارة أصابها الانفجار و تبعد عني من عشرة الى خمسة عشرة متراً وعلى قِصر المسافة الا انها كانت بالنسبة لي مشوار طويل إجتزته بصعوبة شديدة حتى وصلت بالقرب منها فوجدت زجاجها الأمامي مهشم تماماً وتخرج منه جثة السائق والمقعد الذي بجواره فارغ وفِي الفراغ بين المقعدين جثة لأمرأة في العقد الثالث من عمرها في وضع السجود وتسند برأسها على الكنبة الخلفية للسيارة والصوت يخرج من أسفلها فأقتربت أكثر لاحظت يد لطفل صغير تهز في جسد المرأة فأقتربت أكثر و أكثر فوجدت اليد لطفل لايتجاوز عمره الخمس سنوات ، ويضع على حجره طفل أخر رضيع ، هالني المنظر و شعرت بقوة غريبة تدب في جسدي كله و اختفت جميع الآلام فحاوت فتح الباب الخلفي للسيارة ولكن الضرر كان به بالغ ووجدت من الاستحالة فتحه فناديت على الطفل كي يخرج ولكني تراجعت فَلَو خرج كيف يخرج الرضيع فعدلت عن الفكرة و صعدت فوق السيارة و أنا مستغرب قوتي هذه ثم سحبت جثة السائق ومن بعده جثة المرأة ووضعتهم جوار بعضهم البعض ثم دلفت الى داخل السيارة وحملت الطفلين وأثناء ذلك انطلقت الرصاصات الغزيرة مرة أخرى وكانت أشد من سابقيها وتوقعت ما سيأتي بعدها فقفزت من السيارة حامل الطفلين و أسرعت بكل ما في من طاقة متوجهاً نحو الجدار وحدث ما توقعته ودوى الانفجار الأخير و غبت عن كل ما حولي السواد المشوب بالغبار و الدخان هو كل ما أشعر به و أتنفسه ولكن رأيت نور يشق هذا السواد و أصبح الهواء أكثر نقاوة و شيء فشيء وضحت أمامي الرؤية تماماً .

بريشة محمد عبد العظيم
اترك تعليق